أبعاد وانعكاسات تحولات ظاهرة التويزة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية
ان المجتمع عرضة
للعديد من التحولات والتغيرات التي من الممكن أن تصيب نظمه وبناه ونسقه، ومع تطور
النظم الاجتماعية للمجتمعات وبروز وتنامي ظاهرة التصنيع وكذا التنظيمات ذات الطابع
الاقتصادي. أصبح هناك تراجع ملاحظ في
النظم الاجتماعية التقليدية للمجتمع وخاصة المجتمع القروي، لكن من جانب آخر رغم كل
هذه التحولات مازالت بعض النظم تصارع من أجل البقاء ولو بأشكال جديدة.
والمنطقة التي قمنا
بدارستها (باب برد) والمنتمية الى المجال القروي عرفت بعض التطورات في ما يخص
أشكال التضامن الاجتماعي، والمعبر عنه بظاهرة التويزة (توازة)، وإذا كنا قد تطرقنا
في المحاور السابقة الى كل من ظاهرة التويزة في شكلها العادي والتحولات التي طرأت عليها، فإننا في هذا المحور
سوف نتحدث عن ابعاد وانعكاسات هذه التحولات على بعض من جوانب الحياة الإنسانية
لأفراد هذه المنطقة.
1. الجانب الاجتماعي:
ان الحديث عن أبعاد
وانعكاسات تحول ظاهرة التويزة اليوم دون الغوص في ذكر ابعادها في شكلها التقليدي
العادي، هو تقصير لمزايا هذه الظاهرة، فظاهرة التويزة كانت ولا زالت فرصة للتعاون
والتضامن بين أشخاص وجماعات في سياق وظرف معين، فاستجابة الجماعة لنداء التويزة
تحمل عدة قيم ومعاني مادية ومعنوية، فماديتها تتمثل في عدم ضياع المحصول الزراعي
واستفادة هذا الفلاح "المتوز
له" استفادة مادية، أما معنوياتها، فتتمثل في عدم إحساس هذا الفلاح بالمعاناة
الشخصية وبالعزلة وبالتالي فإن الأفراد المتوزرون يعملون جاهدين من أجل تخفيف من
أعباء ومتاعب بعض الأعمال الشاقة التي لا يقدر القيام بها هذا الفلاح بمفرده.[1]
وجاء على لسان أحد
المشاركين في البحث رقم 5 (حكيم، 22، موظف استقبالات) أن ظاهرة التويزة كانت تعبير
عن التضامن الاجتماعي والرابط القوي بين أفراد الدوار والقبيلة، بحيث يحس الفرد أن
هناك من يدعمه ومن يساعده على قضاء حوائجه التي لا يستطيع بمفرده القيام بها.
والفكرة ذاتها نجدها عند المشاركة رقم 8 (أمينة، 62سنة، ربة البيت) حيث قالت بالحرف
الواحد "شحال هاذي كان بنادم كيتعاون ويتضامن مع بعضو اما دب راسي
ياراسي.........كان شحال هاذي بحال لي عندو الفلوس بحال المزلوط كولشي مساعد
وكولشي كيقضي". ليدل كلامها على ان الفرد كان يحس بنوع من الأمان
والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
لكن هذا فيما يخص
ظاهرة التويزة في شكلها العادي، فماذا عن التويزة في شكلها الجديد؟ وحينما نتحدث
عن أشكال ظاهرة التويزة الجديدة، فنقصد بذلك مؤسسات المجتمع المدني، من جمعيات وتعاونيات
ونقابات وغيرها.
إنّ التفكير في
العمل الجماعي، مهيكلا كان أو غير مهيكل، ليس واقعا جديدا بالنسبة للمجتمع
المغربي، فالحركة الجمعوية بالخصوص ليست أمرا مستجدّا بالنسبة له بحيث عرف أنماطا
عديدة من المشاركة الاجتماعية، ولهذا فإنّه ليس من قبيل المجازفة القول بوجود
"تجريب اجتماعي واسع النطاق ومترسخ في النسيج الجمعوي..."[2]. ما يؤكد
تجربة المجتمع المغربي في العمل الجماعي-الجمعوي هو وجود العديد من أشكال
التنظيمات في تجلياتها التقليدية كـ"التويزة"، "الجماعة"،
"الحنطة"...، أو في أشكالها الحديثة المتمثلة في الجمعيات، النقابات،
الأحزاب، التعاونيات... والملاحظات المسجلة في العقود الأخيرة تبرز دينامية جمعوية
لا يمكن الاستهانة بها والمتمثلة في تزايد عدد الجمعيات[3]، وكذا
تأييد هذه المبادرات ومحاولة هيكلتها من طرف أعلى مؤسسة في الدولة.[4]
فالمؤسسات المجتمع
المدني كان لها دور كبير ومزال في التنمية الاجتماعية للمجتمعات، في مختلف
الميادين من أجل تلبية الاحتياجات المحلية للمجتمعات المحلية، بعيدا عن الدولة
والشركات الخاصة[5]
والعالم القروي
بدوره اصبح ولادا لمختلف المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخاصة
بالمجتمع المدني، بحيث اصبح ملاحظا تزايد في عدد الجمعيات (الرياضية والثقافية
والاجتماعية) والتعاونيات المتعلقة بالمنتوجات المعروفة بكل منطقة من قبيل؛ الزيت
والزيتون، تربية النحل، الشعير والقمح... والقائمة طويلة.
إن مؤسسات المجتمع
المدني ساهمت بشكل كبير في مكافحة الفقر وتطوير التعليم وسد فجوة النوعية، وتمكين
المرأة وتعزيز المساواة بين الشخصين، فأصبحت المرأة لأول مرة في العالم القروي تلج
إلى سوق الشغل عن طريق التعاونيات، كتعاونيات الصوف والنسيج، والخاصة بالألبان
والأجبان... ومن أدوار المجتمع المدني في التنمية الاجتماعية حرية التجمع فالقانون
حين ما يسمع مثل هذه المنظمات يحول حرية المجتمع الى واقع حقيقي لها معنى ما يتيح
حرية التعبير، يمكن من خلالها تحقيق مطالب الجماهير تحت ضغط كبير أو بصوت مسموع
باعتبار أن الشخص منفرد لا يمثل أهمية قوة في مواجهة سلطة قوية.[6]
2. الجانب الاقتصادي.
"وهو في الحقيقة هاذ التعاونيات خلقت لينا واحد المتنفس للاندماج في سوق الشغل ولكن مكاينش شي دعم زعما من طرف الدولة باش نطورو هاذ التعاونيات وتمشي القدام"، جاء هذا القول على لسان المشارك في البحث رقم1 (محمد، 33، فلاح).يظهر البعد
الاقتصادي للشكل الجديد لظاهرة التويزة في
مساهمته في إدماج الأفراد في سوق الشغل (وهو ما استنتجناه من مقابلات التي اجريناه
في هذا الموضوع)، في ظل وجود ركود اقتصادي كبير في هذه المنطقة، نظرا لأنها منطقة
جبلية تعتمد بالأساس على القنب الهندي أو الحشيش، وكما نعرف أن هذه النبتة ومن قديم
العهد كانت زراعتها غير مشروعة ويعاقب عليها القانون كما أن تراجع ثمنها عما كانت عليه، بحيث أن أثمانها
كانت تتراوح للكيلو غرام الواحد من 4000
درهم الى 10000 درهم لتصبح الآن ثمنها لا يتعدى 3000 درهم للكيلوغرام الواحد.
لهذا فالتعاونيات
خلقت متنفسا جديدا لساكنة هذه المنطقة، حيث برزت فيها العديد من التعاونيات ولا
سيما الخاصة بتربية النحل.
أيضا فالجمعيات
وخاصة الجمعيات الخيرية ساهمت بشكل كبير في مساعدة الأسر التي تعاني من الهشاشة والفقر
عن طريق جمع التبرعات، أيضا ساهمت في بناء المساجد والقناطر وترميم الطرق. وهذا ان
كان يدل على شيء فإنما يدل على نجاعة اشكال الظاهرة الجديدة.
3. الجانب الثقافي.
يتجلى البعد
الثقافي لظاهرة التويزة الجديدة في أنها خلقت لأفراد المجتمع القروي ومنطقة باب
برد بالخصوص، متنفس جديد من خلال تنظيم مختلف التمظهرات الثقافية والرياضية،
وتتمثل الأولى في مسابقات تربوبة خاصة بالمدارس والمساجد كمسابقات التجويد،
والشعر، ومختلف المجالات العلمية والأدبية، فيما تتعلق الثانية، في تنظيم دوريات
لرياضة الكورة القدم بشكل دوري وموسمي، كدوري رمضان، ودوريات فصل الصيف، أيضا تسهر بعض الجمعيات في تنظيم مسابقات للعدو
الريفي وألعاب القوى، أيضا تقوم هذه الأشكال الجديدة من التويزة في تعليم وتثقيف
الشباب سياسيا، ويظهر ذلك في كون ارتفاع نسبة المشاركين في الانتخابات من الشباب،
وهذا ما شهدناه في الانتخابات التي أجريت مؤخرا من عام 2021،.
من خلال لقاءات
ومقابلات قمنا بها مع بعض شباب المنطقة عبروا فيها عن نجاعة الشكل المؤسساتي
لظاهرة التويزة، باعتبارها أحيت التعاون والتضامن بين سكان المنطقة وخاص الشباب
منها، ويأتي ذلك من خلال النشاطات التي تقوم بها بعض الجمعيات، في بعض الأعمال
الخيرية، إلى جانب ذلك عبروا عن مدى رغبهم في الانخراط في التعاونيات وتأسيسها، في
حالة اذا ما وجد دعم من طرف الجهات المسؤولة، باعتبار أنها تعتبر حل للوضعية
الاقتصادية في المنطقة بعد تدني الحالة الاجتماعية بها بفعل تراجع في زراعة القنب الهندي والهجرة المكثفة نحو المدن.
[1] . سعيدي محمد، العادلات
والتقاليد الشعبية: ظاهرة التويزة وأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية،
ص91.
[2] . Roque, M.-A.
(2004), (dir.), La société civile au Maroc : l’émergence de nouveaux acteurs de
développement, Barcelone, Éd. Publisud. p. 14.
[3] . حسب دراسة قامت بها المندوبية السامية
للتخطيط بالمغرب (2011)، يصل عدد الجمعيات بالمغرب إلى 44771 جمعية (إلى حدود سنة
2007)
[4] . شريكي هناء، الشباب المغربي والعمل الجمعوي: تحديث البنيات وتقليدية العلاقات والقيم، منصة انسانيات، 2015.
[6] . حمدي احمد عمر،
المجتمع المدني والتنمية البشرية في ظل عقد اجتماعي جديد –دراسة لدور بعض منظمات
المجتمع المدني في محافظة سوهاج، مجلة علوم الانسان والمجتمع، المجلد09 /العدد1،
جامعة سوهاج، مصر، 2020، ص47.
.png)
تعليقات
إرسال تعليق